مقابلة مع المخرجة المصرية أمل رمسيس

على هامش العرض الأول للفيلم التسجيلي المصري "ممنوع" في النمسا
11/10/2011
أمل رمسيس: الثورة رفعت الكثير من الممنوعات، لكن المعركة مع النظام ما زالت قائمة
على ناصر
بمبادرة من المركز الثقافي العربي النمساوي وبالتعاون مع كل من المعهد الأفروأسيوي ومعهد كارل رينر تم عرض الفيلم الوثائقي المصري "ممنوع" في ثلاثة مدن نمساوية هي على التولي إنسبروك وغراتس وختاما في العاصمة فيينا. على هامش الأمسية أجرينا مع المخرجة أمل رمسيس الحوار التالي:
Bild

فيلم ممنوع هو رابع فيلم تسجيلي للمخرجة أمل رمسيس بعد "بيروت فيها بحر" (1999)، "بسّ أحلام" (2005)، "حياة" (2008).

يشكل الفيلم وثيقة تاريخية للأشهر التي سبقت انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) في مصروللممنوعات التي عاشها المواطن المصري تحت حكم النظام والتراكمات التي أدت إلى اندلاع الثورة يرويها ناشطون سياسيون منهم عرب لطفي وسلمى شكر الله ومحمد واكد الذي سيحل ضيفا على فيينا في نوفمبر (تشرين ثاني) من هذا العام.

في فيينا، وفي قاعة سينما "توب" المكتظّة اختتم العرض بنقاش مع المخرجة أمل رمسيس مع الجمهور العربي والنمساوي حول ظروف إنتاج الفيلم أوضحت أمل رميس كيف غير قيام الثورة عشية انتهائها من مونتاج الفيلم يوم 25 يناير بالذات من نهاية الفيلم إلى "نهاية سعيدة" للفيلم ولها شخصيا كمواطنة مصرية وناشطة سياسية، كما وتناول النقاش الوضع الحالي في مصر بعد سقوط مبارك

على هامش الأمسية أجرينا مع المخرجة أمل رمسيس الحوار التالي:

الفيلم يعرض قائمة من الممنوعات التي عاشها المواطن قبل انتفاضة يناير، ما الذي أصبح الآن مسموحا بعد الانتفاضة؟

أولا أودّ الإشارة إلى أنني قج انتهيت من إعداد الفيلم قبل وقوع الثورة ولم أغير فيه شيئا بعدها إلا نهاية الفيلم، أما لو أتيح نظريا تغيير شيء في فيلم "ممنوع" فسيكون هذا فقط في جملة النهاية التي تقول أن الشعب المصري قد "أسقط النظام"، فما سقط هو رأس الوحش الذي ما زال جسمه قائما ومتغلغلا في كافة مرافق الدولة.

أما ما صار متاحا بعد الثورة هو بفعل الأمر الواقع ورغم عدم تغير القوانين التي يستلزم برلمانا جديدا، وأهم ما أتاحته الثورة هو حرية الرأي والتعبير السياسي، وبالنسبة للسنمائيين فالأهم هو حرية التصوير في الشوارع الذي كان في الماضي يتطلب أذونات أمنية معقدة، كذلك حاز السينمائيون كغيرهم من المصريين على حرية تشكيل النقابات المهنية المستقلة التي باتت اليوم وإن لم يتم تسجيلها رسميا هي الممثل الحقيقي والطرف المعترف به في أية مفاوضات مع القوى العاملة المصرية التي انتزعت حرية الإضراب انتزع بفعل الأمر الواقع، حيث دخل اليوم ما يقارب 70% من القوى العاملة المصرية الإضراب المطلبي رغم قانون منع الإضراب الذي سنّه المجلس العسكري.
من ضمن الملموس من التغيير التحولات التي طرأت في العلاقة بين المواطن وبين الأجهزة الأمنية، وإلى انتهاء فترة عسف الأجهزة الأمنية وسطوتها حيث نجحت الثورة بتفكيك أجهزة القمع البوليسية التي اختفت تماما عن الساحة في الأشهر التي تلت الثورة، كذلك خلقت الثورة وعيا جديدا بالحقوق المدنية وكرامة المواطن لن يسمح لهذه الأجهزة بالتغوّل من جديد، أذكر في هذا السياق قصة حصلت أمام ناظري: شرطي مرور يأمر مواطنا بالمجيء "تعال هنا"، والمواطن يرد "لأ، تعال انتا... أنا الشعب!"... مثل هذه الواقعة لم يكن من الممكن تخيلها قبل الثورة.

ألم يشكل تصوير الفيلم خطرا على الشخوص المشاركين؟

بالطبع غامر في ظل نظام مبارك من يعبّر عن رأيه بهذا الوضوح بحريته على الأقل إن لم يكن بحياته، لذلك كان اختيار الشخوص من الناشطين السياسيين المعروفين الذين كانوا يغامرون يوميا في المواجهة، فهم اعتبروا المشاركة في الفيلم والحديث للكاميرا جزءا من نضالهم اليومي ضد النظام.

هل كنت تحلمين بأن يعرض "ممنوع" في مصر؟ كيف كانت ردة الفعل على العرض الأول؟

عرض فيلم "ممنوع" في قاعة سينما في القاهرة كان أمرا لم أحلم به قبل الثورة، وأذكر كيف سمحت الرقابة المصرية (التي كانت بدورها تمر في فترة ثورية مؤقتة) بعرض واحد للفيلم في شهر مايو (أيار)، وكيف حضر العرض كل شخوص الفيلم وشاركوا في النقاش مع الجمهور، ورغم أن الفيلم ليس كئيبا فما زلت أذكر كيف غلب الدمع معظم الحضور الذين استذكروا تلك الفترة التي تبدوالآن بعد الثورة كأنها منذ عقود خلت.

يتناول الفيلم إلى جانب الممنوعات السياسية بعض الممنوعات الاجتماعية وخاصة تلك التي تعاني منها المرأة المصرية، وقد شاهد الجميع دور المرأة في الانتفاضة.. شاهدنا بعد الثورة الهجوم على تظاهرة يوم المرأة العالمي في الثامن من مارس (آذار)، كما وتتعالى الآن الأصوات المحافظة ضد حقوق المرأة في مصر وخاصة من جانب حركة الإخوان المسلمين التي تربط موضوعة حقوق المرأة بسوزان مبارك وترغب بإلغاء ما يضمنها من قوانين مدنية. ما هو مستقبل المرأة في مصر؟
ما جرى في الثامن من آذار كان هجوما لبلطجية النظام ويمكن رؤيته في الهجمة المضادة الي بدأها المجلس العسكري لإنهاء التظاهرات في ميدان التحرير، وقد تعرض العديد من التظاهرات إلى الهجوم والقمع في تلك الفترة.
المرأة لها حضور قوي في المشهد السياسي المصري، سواء من حيث المشاركة في الانتفاضة أو من حيث تواجدها في مواقع قيادية في العديد من التنظيمات السياسية، وهذا الحضور هو شيئ بديهي وليس موضوعا للنقاش. أما من حيث مسألة قضية المرأة فهي جزء من القضية الاجتماعية والوطنية العامة، ومن غير الممكن أن يطرأ تحسن على وضع المرأة في البلاد وكل القضايا السياسية والاجتماعية الأخرى ما زالت عالقة، وأشارت إلى دور القوى التقليدية كحركة الإخوان المسلمين التي لم يكن لها يوما ما أي برنامج تقدمي حول مسألة حقوق المرأة والتي تبذل ما بوسعها لإزالة القليل مما حصلت عليه المرأة المصرية من أدنى الحقوق، أما ما تغير بعد الثورة فأودّ الإشارة إلى تراجع ظاهرة التحرش الجنسي من شوراع القاهرة بالمقارنة مع الأعوام السابقة وهو أمر لاحظه الجميع في الأعياد هذا العام.

الآن بعد سقوط حسني مبارك، هل المعارضة الديمقراطية متفقة على ما تريد رفعه من الممنوعات؟ هل يمكن الحديث عن المعارضة واحدة للنظام؟

المعارضة كانت موحّدة في يناير في مطلب إسقاط حسني مبارك. بعد سقوط مبارك وانتقال السلطة إلى المجلس العسكري هناك انقسام في صفوف المعارضة حول الموقف من المجلس العسكري، ففي حين يعتبر اليسار المجلس جزءا من النظام ويطالب بتنحي المجلس، دخل الإخوان المسلمون في تحالف مع المجلس العسكري ضد باقي قوى الثورة.

لم تغيّر الثورة من أيديولوجيات الأحزاب السياسية القائمة التي ما زالت ترى التغيير المطلوب من منظور الفكر الذي تربّت عليه، وهذا ينطبق أيضا على القوى المحافظة التي عزفت عن المشاركة في الثورة وخرجت بعد الثورة للحفاظ على الوضع القائم ولعرقلة التغيير. كما أسلفت فإن سقوط مبارك كان فقط سقوطا لرأس الوحش، وما زال الطريق طويلا نحو التغيير الحقيقي في مصر.

حزمة الممنوعات هذه التي تتشابه فيها مصر مع العديد من دول الجوار، أليست أيضا موجودة إلى نحو ما في الديمقراطيات الغربية أيضا؟

بالطبع لدى هذه الدول أيضا ممنوعاتها التي من واجب الناشطين والفنانين في تلك الدول تناولها، لكنها في مصر والمنطقة على قدر كبير من المباشرة والوضوح. في الدول الغربية هناك أيضا نوع من الرقابة والرقابة الذاتية، وهذا نلمسه في التعتيم الإعلامي حول ما يجري في مصر بعد الثورة وحول الوضع في اليمن والبحرين.

ما هو مشروعك السينمائي القادم؟

إلى جانب مرافقة عرض فيلم "ممنوع" هذا العام في عدة دول، ومتابعة اللإشراف على مهرجان "بين سينمائيات" لأفلام المرأة العربية والأمريكية اللاتينية، آمل أن أتمكن قريبا من تحقيق حلمي باستكمال مشروع الفيلم عن المتطوعين العرب في الحرب الأهلية الإسبانية إلى جانب الجمهوريين ضد فاشيي فرانكو.

Links