العودة أولاً

24/06/2010
إفتتاحية مطبوعة أجراس الورقية
محمد كناعنة - أمين عام حركة أبناء البلد
علينا اعتبار مشروع الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين كمشروع نضالي كفاحي في مواجهة المشروع الصهيوني، وليس في حالة تصالح معه، إذ ليس بالإمكان التصالح مع ما بُنيَ على الظلم والإحتلال والإرهاب، وعليه فإنّ هذا المشروع ليس فقط مشروع مواجهة مع الحركة الصهيونية، وإنّما هو لا يشكلُ بديلاً عن عروبة فلسطين.
Bild

في بداية البداية لا بُدَّ لنا من توجيه التحية المعطّرة بشذى جرمق فلسطين وعبير مرج إبن عامر، إلى جبين كل مقاومٍ عرف هذه البلاد ودافع عنها، عن عروبتها وحريتها وكرامتها، إلى كل من لامست عيونه عيون هذا الوطن وكل من يحمل على كتفيه وفي عُنقه وبداخل صدره مفاتيح الدار وعهد العودةِ وعُهدة الدفاع عن الرؤية والنضال في سبيلها، إلى كل من يقبض على الجمر في هذا الزمن الرديء، زمن التخاذل والردّة، إلى كل المناضلين القابعين في سجون الاحتلال، إلى كل الضاغطين على الزناد، زناد الكلمة الحرة الصادقة، الكلمة التي تُواجه التهافت ولا تخاف أو تلين. إلى روح الشهداء كل الشهداء من النهر إلى البحر ومن المحيط إلى الخليج، هؤلاء الذين سقطوا على درب العروبة والحرية والتحرير.. لهم نقول على العهد باقون.

ونحن نستعد لإفتتاح أعمال مؤتمر حيفا الثاني - من أجل العودة والدولة الديمقراطية العَلمانية في فلسطين التاريخية – الجمعة 28 أيار، لا بُدّ لنا من وقفة مع بعض العناوين الهامة في صلب هذا المشروع.

أولاً:

إنّ العودة – عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها عام 1948 – هي الركن الأساس في مشروع الدولة الواحدة، وهي القاعدة التي عليها نبني أية رؤية وأي تصوّر للحل القادم، ولا مكان هُنا للتلعثم في اعتبار أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين كان وما زال على حساب هؤلاء اللاجئين وعموم الشعب الفلسطيني، ولا توجد أية شرعية أخلاقية أو قانونية أو تاريخية لهذا الوجود الكولونيالي الإحلالي.

ثانيًا:

علينا اعتبار مشروع الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين كمشروع نضالي كفاحي في مواجهة المشروع الصهيوني، وليس في حالة تصالح معه، إذ ليس بالإمكان التصالح مع ما بُنيَ على الظلم والإحتلال والإرهاب، وعليه فإنّ هذا المشروع ليس فقط مشروع مواجهة مع الحركة الصهيونية، وإنّما هو لا يشكلُ بديلاً عن عروبة فلسطين.

إنّ فلسطين الكيان والشعب، التاريخ والحضارة، هي عربية فلسطينية ولا نحمل في هذا جديدًا، وإنما التأكيد على ذلك من باب رفض قول معارضي حل الدولة الواحدة على أنّ هذا الشعار يُلغي عروبة فلسطين، أرضًا وشعبًا، ونحن نقول بدورنا، لا، لا نقبل هذا الإدعاء لأنّهُ ليس هناك من يملك حق إلغاء هذه الهوية وهذا الإنتماء، ولكننا في الوقت ذاته نعتبر أن المضمون الديمقراطي الذي نطرحه كرؤية للحل يضمن في طياته أُسس المساواة والعدل والعدالة الإجتماعية بين مواطني هذه الدولة من النهر إلى البحر بعد إحقاق العودة إلى كل القرى والمدن التي طُرد منها أهلها وتقويض كل أسباب هذا الصراع.

ثالثًا:

ستون عامًا وأكثر والشعب الفلسطيني في حالة تَشرّد وشتات ولجوء، مائة وعشرون عامًا وهذا المارد يقاوم الغَزوة الكولونيالية على أرضه ووطنه وبيته، وأقسى ما حصل على مَرّ هذا الدرب، وعلى مدى هذه السنين، بعد نكبة عام 48 كانت نكبة التفريط في أوسلو. لأول مرّة قيادة "شرعية" للشعب الفلسطيني تعترف بالكيان الصهيوني، وحقّه في الوجود، مما شظّى القضية الفلسطينية، وغَدونا نحن في مناطق ال 48 "غُرباء" عنها في عُرف أوسلو، وصولاً إلى أنابوليس حيث جسّد شعار يهودية الدولة دعوة صريحة إلى طردنا من وطننا، برضى فلسطيني واستعداد للتفاوض حول ذلك.

رابعًا:

إنّ تعدّد الساحات، ساحات العمل الفلسطيني إنّما هو من صميمِ واقع تشرد الشعب الفلسطيني. ونحن نُدرك جيدًا أنّ هذا التعدد إنما يتطلب منّا جميعًا، وهذا هو الحال، تَعدّد أساليب وطرائق العمل والنضال، فنحن فلسطينيو الداخل في نضالنا الشرعي والمشروع في الدفاع عن البقاء والوجود والتمسك بالهوية إنّما نُعبر عن حالة جماعية وطنيًا وقوميًا في النضال السياسي الجماهيري الشعبي في حدود ساحتنا ومعركتنا من أجل الكرامة والحرية والعودة والإستقلال، وهذا حال كُل ساحة برؤيتها لصورة الحال الذي تحيا ومنهُ تستنبطُ أسلوب نضالها الذي يُلائمُ هذا الحال ويقعُ تحتَ سقفِ القضية الواحدة.

خامسًا:

إنّ قُبولنا بهذا المشروع – حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين – يحملُ بين ثناياه تنازلاً تاريخيًا وهذا ليس نَقيصَة، نعم إنّ الشعب الفلسطيني - وخاصة اللاجئين - بقبولهم هذا الحل الديمقراطي إنّما يقدّمون إنحناءَة إنسانية وأخلاقية أمام أنفسهم أولاً ومن ثُمّ أمام اليهود في فلسطين، ولكن ليس أمام المشروع الصهيوني والصهيونية، وهذا أعظم ما قد يُقدمَهُ من تنازل، هذا الشعب الذي ضحّى وعانى اللجوء والشتات، والقهر والاحتلال، لا بل أبشع أصناف الاستعمار في التاريخ، هذا الشعب الذي قاوم وما زال يُقاوم ويدفع الثمن غاليًا ضريبة الحرية.

وأخيرًا..

ومن حيفا نُطلقُ الصرخة، صرخة العودة والدولة الديمقراطية الواحدة على كاملِ ثرى فلسطين في مواجهةِ كل مشاريع التوطين والتفريط.. من حيفا، نُعلنُ أنّ هُناك مكان لحلٍ آخر في أحشائه العدلُ والحرية والحياة الحُرة الكريمة لكل الناس.

نؤكد على أننا نعتبر أن الديمقراطية مُركِب أساس في نجاح مشروعنا هذا، كخيار ونهج حياة، والعودة حق مقدس لا يسقُط بالتقادم ونرفض مناقشة كل البدائل، من التوطين والتعويض مرورًا بمشروع العودة إلى كانتونات الضفة الغربية وقطاع غزة، ونؤكد أيضًا على اعتبار فلسطين عربية وهي وحدة جغرافية واحدة من النهر إلى البحر وجزء من الوطن العربي الكبير ومشروعنا الديمقراطي الفلسطيني جزء من مشروع عربي وحدوي نهضوي إشتراكي.

معًا على الدرب

Links