زغاريد العراقيات تستقبل الجندي الشهيد

22/01/2011
هيفاء زنكنة - القدس العربي
في ظل انتفاضة الشعب التونسي ضد الطغيان ومساهمة إستشهاد الشاب محمد البوعزيزي في اشعال فتيلها، حدث إستشهاد آخر، في العراق، لم تتم الكتابة عنه الا كصدى لبيان عسكري أصدرته قوات الاحتلال الامريكية عن جندي عراقي قتل 'جنديين امريكيين واصاب آخر عندما فتح النار على جنود امريكيين يقومون بتدريب قوات امن عراقية في معسكر الغزلاني في جنوب مدينة الموصل الساعة 0830 صباح السبت المصادف 16 كانون الثاني/يناير'، فمن هو الجندي العراقي؟ ولماذا لم تذكر القوات الامريكية 'الشريكة'، في العراق، بعض التفاصيل عنه؟ وماذا عن تغطية صحافة 'العراق الجديد' وتحليلات مثقفيه؟
Bild

نحن نفهم تماما موقف قوات الاحتلال الامريكية في عدم ذكر اسم وتفاصيل حياة من يهاجمها ويستهدفها. انها تخشى ان يؤدي ذكر اسم الشخص وعمره وتفاصيل حياته العائلية وشهاداته المدرسية وهواياته (وهو بالضبط ما تفعله مع جنودها الذين تصفهم بانهم شهداء الديمقراطية ومساعدة الشعوب على التحرر والاكثر من ذلك الاشادة بوطنيتهم وولائهم لامريكا) الى تقديم ابن البلد المحتل، 'الارهابي'، كانسان لا يقل في درجة انسانيته عنهم، كما انه ليس شخصا مجهول الهوية، قد يرمز اليه برقم او صفة مقيتة، مما يسهل نسيانه وقتله أو تحميله كل جريمة وتهمة على وجه الارض.
انها تخاف، ايضا، ان يكون 'الجندي' او 'المقاوم' قدوة يثير مخيلة الشباب، ومرجعية في المبادىء والمواقف الاخلاقية والروح الوطنية لبقية الجنود المنخرطين في صفوف الجيش، الصامتين، على الرغم من غضبهم واشمئزازهم مما يجري حولهم من انتهاكات وجرائم وفساد ومحاصصات طائفية وعرقية، فضلا عن التعامل الاستعلائي المهين معهم، نتيجة النظرة العنصرية لجيش الاحتلال المجبر، رغما عنه، على تدريب ابناء البلد الذي يريد ان يبقى سيدا عليه (مع منحه بعض الصلاحيات الشكلية كواجهة اعلامية) والذي يخشى حتى تدريبه بالسلاح الحي مخافة ان يفتح الجندي ناره عليهم، كما فعل مروان نظير عبد العزيز الجبوري في مدينة الموصل.

ماذا عن صحافة ومثقفي 'العراق الجديد'، الذي تباهى احدهم بوصفه قائلا: 'لا اجعل نفسي الاّ في صف العراق الحّر الجديد فهذا ما ناضلت من أجله دهراً'؟ لماذا لم يكتب احدهم (خاصة ابناء الحزب الذي طالما نادى بمحاربة الاستعمار وتحرير الشعوب) عن الجندي مروان الذي فتح نار بندقيته على محتل بلاده وهو يعلم علم اليقين بانه، في تلك اللحظة التي سيطلق فيها النار، سيتلقى رصاص العدو في صدره، مضحيا بحياته من اجل قيمه ومبادئه، في وقت لم يعد يطيق فيه صبرا على الظلم كما فعل الشاب التونسي الباحث عن بصيص العدالة في جسده المحترق غضبا، رافضا ان يكون شاهدا أخرس على جرائم أنطقت حتى بعض جنود الاحتلال فباتوا يسطرون، نادمين، تفاصيل مخيفة عما اقترفته اياديهم بحق ابناء الشعب العراقي؟
كيف يسكت كاتب ومثقف 'العراق الحّر الجديد'، مكتفيا بتوقيع نداءات باتت متوفرة على الانترنت بالاطنان، واذا ما كتب سطر قلمه زورا ليصف الوضع الثقافي تحت الاحتلال بأنه حيث 'تلون الأفق بقوس قزح ثقافي لا أبهر منه ولا أبهى'؟
انهم، في موقفهم ضد مقاومة الاحتلال، يتذرعون بان المقاومة 'ارهابا' وان المقاومة تستهدف المدنيين (أليست هذه نسخة عن اسطوانة ادارة الاحتلال المشروخة؟).

ولنقل أن عقولهم تقبل، على الضد من كل الدلائل والوثائق، ان المقاومة وليست قوات الإحتلال هي التي قتلت آلاف المواطنين العراقيين الأبرياء، وان آلاف جنود الاحتلال الذين نقلوا الى بلادهم في توابيت خشبية اما إسطورة أو انهم ماتوا نتيجة قراءتهم قصائد ومقالات مثقفي وصحافيي 'العراق الحر'، ولنقل ان مئات الآلاف من جنود الاحتلال المصابين بالجروح الدائمة والعطب العقلي والنفسي انما اصابهم ذلك نتيجة قراءتهم ذات القصائد والمقالات مرة ثانية، ولكن ماذا عن الجنود: إبراهيم كريم القرة غولي، ومحمد الجحيشي، وسعد احمد جاسم الجبوري، ومحمد موفق النعيمي، وسوران رحمن صالح ولي، الذين وجهوا بنادقهم مباشرة على من يراه الشعب العراقي وشعوب العالم، بل وحتى الأمم المتحدة، عدوا وحشيا محتلا أفرز خلال فترة وجوده على أرضنا أبشع مظاهر العنف والاستباحة، ضد كل القيم الإنسانية والقوانين الدولية؟ ماذا عن الشباب المقاتل الذي يستهدف قوات ومرتزقة أكبر قوة عسكرية في العالم والمسؤولة عن مقتل أكثر من مليون عراقي؟ ماذا عن تدريبهم، منذ ثماني سنوات، فرقا عسكرية خاصة مهمتها الاولى والاخيرة حماية مصالح المستعمر؟
ماذا عن مروان نظير عبد العزيز الجبوري؟ وهو الذي استهدف بالتحديد جنود العدو، مدركا، بل متيقنا، انه انما سيدفع حياته ثمنا لذلك؟ لقد حاولت، في ظل التعتيم الاعلامي لاجهزة الاحتلال على الحدث البطولي، ان اجمع بعض المعلومات عن الجندي الشهيد، لكي تبقى ذكراه حية في الأذهان وليكون، كما بقية نساء ورجال المقاومة، جذوة تمد بديمومة اشتعالها روح مقاومة الغزاة والظلم.

في روايته لكيفية استشهاد ابنه أوضح المقدّم المتقاعد نظير عبد العزيز الجبوري (نقلا عن موقع هيئة علماء المسلمين التي حضر وفد منها مجلس عزاء الشهيد في قرية أسكي موصل، شمال غرب مدينة الموصل، يوم الاربعاء الماضي)، ان مروان من مواليد الموصل عام 1982، 'وكان قد تزوّج قبل ستة أشهر من استشهاده، وقد التحق بالجيش الحكومي في منطقة سنجار، وفي مطلع العام الجاري دخل مع وحدته معسكر الغزلاني جنوب الموصل لاغراض التدريب، وفي صباح يوم السبت الماضي اقدم هو وزميل له على تنفيذ عملية بطولية فريدة باطلاقهما النار على مجموعة من جنود الاحتلال الامريكي، اثناء تفقدهم التدريب، وتمكنا من قتل اثنين منها بينهما ضابط كبير واصابة ثلاثة جنود آخرين بجروح بليغة، قبل ان يستشهد مروان نتيجة اطلاق النار عليه من قبل جنود الاحتلال الغاشم .. مشيرا الى انه تم استلام جثة نجله الشهيد يوم الثلاثاء الماضي من دائرة الطب العدلي في مدينة الموصل'.

وكما كانت النساء الجزائريات اللواتي سقين بدمائهن أرض الوطن وضمدن جراح رفاق الدرب، يزغردن للمجاهدين الأبطال وللشهداء الأبرار، وكما تستقبل الامهات الفلسطينيات، على مداخل المخيمات، جثمان ابنائهن المناضلين ضد الاحتلال الصهيوني، استقبلت عائلة الشهيد جثمان ابنها العراقي البار الرافض للظلم والاحتلال، بالزغاريد وإطلاق العيارات النارية.
فما هي حجة مثقفي وصحافيي 'العراق الجديد' هذه المرة، ازاء فعل بطولي لايمكن التشكيك به، مهما كانت سلاسة القلم وطراوة اللسان ؟ أليس صمتهم دليل خوف من ان تكون الكتابة، كما هو مفترض، سلاحا يفضح عجزهم وخنوعهم، وان مقاومة المحتل فعل قابل للتحقيق؟

' كاتبة من العراق