سعيد الشهابي: الثورات العربية تنتصر معاً أو تهزم معاً

سلسلة محاضرات "الربيع العربي" في المركز الثقافي العربي النمساوي
20/10/2011
الثورة المضادّة واحدة يقودها القطب الأمريكي السعودي الصهيوني
موجز محاضرة المعارض البحريني د. سعيد الشهابي في فيينا
ضمن سلسلة فعاليات "الربيع العربي"، استضاف المركز الثقافي العربي النمساوي في فيينا في 14. تشرين أول (أكتوبر) المعارض البحريني الدكتور سعيد الشهابي مساء الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث أكد في محاضرته وعوانها "الطائفية سلاح النظام" على ضرورة النظر إلى الانتفاضات في الوطن العربي في مجملها كنهوض شعبي في وجه النظام الإقليمي متشابه الأنظمة، وحذر من التحرك المضاد الذي تقوده السعودية في المنطقة بهدف تحويل مسار الحراك الديموقراطي ونحو إعادة إنتاج النظام الأمريكي والإسرائيلي.
Bild

الثورة المضادّة واحدة يقودها القطب الأمريكي السعودي الصهيوني

سعيد الشهابي في فيينا

في محاضرته لفت القيادي في حركة "أحرار البحرين" المعارضة الإنتباه إلى أن أياً من الحركات في الوطن العربي لم تبلغ أهدافها بعد،ونوّه إلى أن "المنطقة العربية لم تزل منذ بداية القرن العشرين تحت السيطرة الاستعمارية، ولم يتغير غير المستعمِر الذي كان في السابق بريطانيا أو فرنسا، وهو اليوم الولايات المتحد التي هي الحامي الأكبر للمستبدين في العالم"، دافعاً أي وهم حول إمكانية تحول إيجابي في السياسة الأمريكية، مضيفاً أنها " في البداية رحبت بحذر بالثورات كي "لا تبقى على الجهة الخاطئة من التاريخ" حسب التعبر الذي استعمله الرئيس اوباما في بداية الثورات، غير أن دبلوماسيتها التقليدية ما فتئت أن عادت بالتدريج إلى سابق عهدها.

الاحتلال السعودي

فيما يخص الوضع في البحرين، أوضح الشهابي أن الجزيرة تخضع عملياً للاحتلال السعودي، حيث جاء الاجتياح على ما يبدو بناء على دعوة النظام الحاكم ومن أجل قمع الحراك الشعبي. وقد دحض الشهابي ادعاء الولايات المتحدة عدم معرفتها المسبقة بالغزو السعودي قائلاً: " لقد كان روبرت غيتس في البحرين يوم الثاني عشر من آذار/ مارس ، وقد قابل رجال دولة بحرينيين ، وفي اليوم التالي جاء السعوديون، فهل هناك من يظن بأن السعوديين يقدمون على خطوة كهذه بدون تصريح أمريكي؟ نتذكر ما حصل لصدام حين اجتاح الكويت بدون تصريح!".
يتواجد الآن حوالي 1600 جندي سعودي في البحرين، يؤمّنون مؤسسات الدولة، كما يتعرضون للمتظاهرين وهم يلبسون الزيّ العسكري البحريني.

إحدى أقدم حركات التحرر العربية

ذكّر الشهابي بأن حركة التحرر البحرينية تعدّ من أقدم حركات التحرر العربية، فقد وصل آل خليفة في القرن الثامن عشر إلى السلطة بدعم بريطاني، وحكموا شأن غيرهم في إمارات أخرى في الخليج تحت "معاهدة مقاومة القرصنة" مع بريطانيا حيث كانت العشائر المسيطرة أشبه ما تكون بوكلاء سياسيين منضوين تحت إمرة ممثلي حكومة الهند البريطانية، وقد بدأت الانتفاضات في البحرين ضد السيطرة البريطانية وآل خليفة منذ العشرينات من القرن الماضي، وتعاقبت الانتفاضات الكبرى التي كان لها توجه قومي عربي ويساري، وصولا إلى الاستقلال الشكلي عام 1971.
وفي سياق الانسحاب البريطاني من مستعمرات شرق قناة السويس بعد استقلال الهند، تخلت بريطانيا عن وجودها في الخليج للولايات المتحدة. في ذلك العام تم تشكيل دولة الإمارات العربية المتحدة. واستمرّ حكم آل خليفة بعد الاستقلال على أساس الاستفتاء على دستور عام 1973 الذي يدعو إلى نظام برلماني، غير أن هذا البرلمان جمد عام 1975 لتبدأ مرحلة سوداء من طغيان آل خليفة الذين استدعوا الضابط البريطاني إيان هندرسون المسؤول ضمن آخرين عن القمع الوحشي لثورة ماو ماو المسلحة في كينيا (1952- 1960) حيث أسس في البحرين "الجهاز الخاص"، الذي أوكلت له مهمة تصفية المعارضة اليسارية والعربية (القومية)، وهناك توثيق لجرائم هندرسون في البحرين من اغتيالات واعتقالات وتعذيب، حيث كان في البحرين حينها أكبر نسبة للسجناء السياسيين في العالم قياساً إلى تعداد السكان.


1999: ملك جديد ونظام قديم

بيّن الدكتور الشهابي أن الحراك البحريني الراهن ليس وليد الساعة بل أنه بدأ منذ عدة سنوات، ولذلك بالتحديد لا يعتريه القلق على استمراريته برغم القمع، فعلى إثر وفاة الأمير عيسى بن سلمان عام 1999 تقدمت الولايات المتحدة بمشروع لتطبيع الوضع في البحرين عبر تخفيف التوتر المجتمعي، وقد أعلن نجله حمد بن عيسى الملكية الدستورية في البلاد وأطلق سراح السجناء السياسيين في محاولة لاستيعاب المعارضة في النظام فيما بدا كأنه عملية إصلاحية، غير أن هذا لم يدم طويلاً، فقد أقر الملك دستوراً جديداً عام 2002 متخلّفا جدا عن دستور 1973 فيما يخص الحقوق الديموقراطية، ثم أنه بخلاف دستور عام 1973 لم يخضع للاستفتاء الشعبي، وإن كانت بعض أحزاب المعارضة قد قبلت بالوضع وشاركت في الانتخابات، فإن أحزابا أخرى (كحركة حقّ) قد رفضت تلك الحيلة، ووفقاً للدكتور الشهابي فإن الملك " فقد بإلغائه لدستور عام 1973 أية شرعية، ويشير الشهابي إلى صحة موقفه المعارض للمشاركة في الانتخابات بقوله: "لقد أظهرت أحداث السنوات الأخيرة عدم جدية النظام فيما يخص الإصلاحات، وبعيد قمع احتجاجات آذار/ مارس انسحبت الأحزاب "المعتدلة" من البرلمان العاجز، واقتربت هي من مواقعنا وليس العكس".

التجنيس السياسي

تطرق الدكتور الشهابي في عرضه كذلك إلى ما يجري تأويله غالباً من منطلق طائفي وهو مسألة منح الجنسية البحرينية، قائلاً: "يريد النظام تأمين سيطرة نخبة صغيرة على البلد من خلال تغيير طبيعة المجتمع البحريني، حيث يجنّس سنوياً الآلاف من السعوديين والسوريين والأردنيين والباكستانيين، حتى أن بعضهم –من السعوديين- لا يسكنون البحرين أساساً". كما أن الكثير من منتسبي الجهاز الأمني هم أردنيون وسوريون وباكستانيون متجنسون، ومن وجهة نظر الشهابي، يحاول النظام رسم واقع ديموغرافي يخدم مصالحه، وينوّه الشهابي إلى قصر نظر هذه السياسة حيث أنه "حتى السنة المكتسبين للجنسية سيشعرون في الجيل الثاني على أبعد تقدير بأنهم قد غدوا مواطنين، وسيطالبون بحقوقهم الديموقراطية شأن كل مواطنيهم الآخرين، فماذا سيفعل النظام حينها؟ يسقط الجنسية عنهم؟".
كما شكك الشهابي في قدرة عائدات النفط على المدى البعيد على ضمان استقرار الأوضاع من خلال توزيع أوسع قائلاً: "ليس الاقتصاد كل شيء، فالانتفاضات العربية انفجرت من أجل الكرامة أيضاً، وما من دولة يمكن أن تكون حديثة بينما لا قيمة للبشر فيها، أية حداثة هي حين يعتقد الحاكم أن بالإمكان استبدال الشعب بآخر مستورد؟"، غير أن الشهابي من جهة أخرى لا يرفض التجنيس من الأساس، فهو يقول "إن الناس الذين يعيشون في البلاد منذ مدة كافية ويشعرون بأنهم جزء من هذا المجتمع يحلّون على الرحب والسعة، وإن منح الجنسية يجب أن يخضع للمعايير القانونية وألاّ يكون سرياً وبخلفيات سياسية".

الحراك الديمقراطي ليس طائفيا

ردّ الدكتور الشهابي الاتهامات بالطائفية الشيعية والتبعية لإيران، وعزاها لدعايات النظام والمملكة السعودية قائلاً "لم تقم الثورة في البحرين من أجل الحصول على حسينيات أكثر"، وذكّر بأن عام 1970 شهد الرد على مطالبة إيران بالبحرين بإجراء استفتاء شعبي صوتت فيه الأغلبية لصالح الاستقلال، وأشار إلى أنه "ليس الشيعة هم وحدهم المناهضون لطغيان" آل خليفة، فالسنة أيضاً يقفون ضد سلطتهم المطلقة، وقد شارك الشيعة والسنة في تعبئة شباط/ فبراير وآذار/ مارس، وحتى ضمن المعتقلين هناك قادة وناشطون من المذهبين، لكن الملك هو من رد على المطالب الديمقراطية بخطاب طائفي يتهم فيه الشيعة بأنهم يريدون انتزاع السلطة.

أما إمكانية حرب أهلية على أسس طائفية فنفاها قائلاً: " لم يحدث حتى الآن أبداً أن تعرض أحد للاعتداء، أو أن تعرضت منشآت للتخريب على أسس محض طائفية، وفقط تحت الاحتلال السعودي تعرضت مساجد للتدمير، وأبعد شيعة عن الوظائف العامة، واعتقل أطباء قدموا إسعافات أولية للجرحى إبان الأحداث... وقد خسر الفريق البحريني لكرة القدم مؤخراً بستة أهداف نظيفة، ويلقي الجميع في البحرين بالمسؤولية على الحكومة لإبعادها لاعبين جيدين عن الفريق لمجرد خلفيتهم الشيعية".

ثم شدد سعيد الشهابي على الطبيعة السياسية للتحرك بقوله: "ليس مطلبنا تحديد أية فئة تحكم، بل كيف يكون حكم البلاد، ليس مقبولاً أن تضع أسرة جميع موارد البلاد الاقتصادية في جيبها، ولا تدفع لخزينة الدولة إلا ما يسد الرمق، وعلاوة على هذا يجلس في هذه الحكومة سبعة عشر عضوا من آل خليفة!.. وأما حين يعترض المواطنون فترد الحكومة بخطاب طائفي، وهذا يبيّن أن الطائفية هي أداة الحكومة لا المعارضة".

أما بالنسبة للعلاقة بين الانتفاضة في البحرين وتلك في المنطقة الشرقية للعربية السعودية ذات الأغلبية الشيعية فقد أوضح الشهابي أن هذه تمثل تطوراً داخلياً في المملكة وليست ذات علاقة مباشرة بالوضع في البحرين قائلا "إن مواطني المنطقة الشرقية هم الأقل عرضة للتأثر الفكري بالعقيدة الوهابية الرجعية للنظام من ناحية، ومن ناحية أخرى هم يعانون من التهميش الاقتصادي وهذا ما يدفعهم للانتفاض لرفع الظلم، غير أنهم أقلية سكانية غير قادرة على قيادة المعارضة ضد آل سعود.. الأكثر أهمية هو تطوّر المعارضة في المناطق الأخرى من حكم الدولة السعودية".

وفيما يخص العلاقة بإيران يرى الشهابي أن النظام البحريني يبالغ في وصف التأثير الإيراني، حيث أنه "من الطبيعي أن يكون في إيران تعاطف مع الشيعة ، لكن هذه لم تقدم للحراك البحريني دعماً أكبر مما قدمته إعلاميا وسياسيا للانتفاضات الأخرى في المنطقة العربية"، أما التناقض الرئيسي اليوم فهو مع النظام السعودي، "فالسعودية اليوم هي التي تقتل وتدمر وتعتقل في البحرين وليس إيران". كما دحض المخاوف من الأطماع الإقليمية لإيران في البحرين بقوله: "إيران بلد شاسع وليس بحاجة لإلحاق البحرين حيث لا يتناسب الثمن السياسي المدفوع مع الفائدة المجتناة، ومن المعلوم أن كلا البلدين يتبادلان اليوم الاعتراف ويرتبطان بعلاقات دبلوماسية".

العربية السعودية - الثورات والثورات المضادة في المنطقة

يرى الشهابي حركة عربية متصاعدة ضد الأنظمة الاستبدادية والتبعية للأجنبي. كما يحذر من حركة مضادة تهدف لتعزيز الهيمنة الأمريكية في المنطقة تقودها السعودية والكيان الصهيوني، فـ " منذ سقوط مبارك بدأ الإعداد لحركة مضادة بضغط سياسي أمريكي ومال سعودي، والطائفية في هذا السياق أداة مفضلة، حيث يريدون تحريض الشيعة والسنة بعضهم على بعض كما في لبنان والبحرين، والسلفيين على الشيعة، والسلفيين على الصوفيين كما في مصر والمغرب، والمسلمين على المسيحيين كما في مصر، وهكذا.." .

بالنسبة للشهابي لا غنى عن التكاتف الإقليمي "فإذا تمكنوا من دحر التحرك في قطر ما، فإنهم سينتقلون للتالي. وعلى سبيل المثال يقف التحرك الآن في سوريا بمواجهة مأزق، فمطالب السوريين بالحرية والكرامة مشروعة تماماً، إلا ان التدخل الأمريكي والسعودي يشوّهان الحراك، فنحن لا يسعنا القبول بالسيطرة الأمريكية بديلاً للأسد".

وإذ أكّد سعيد الشهابي على أهمية ما يدور في مصر ودورها الحاسم في قلب موازين المنطقة، أشار إلى أنه وبنفس المقدار، سيكون من شأن اندحار الانتفاضة في البحرين تسريع اندحار الحركات الأخرى.

النص الأصلي باللغة الألمانية

ترجمه إلى العربية: قيس عبد الله

Links