صفقه الاسرى ومأزق النضال الفلسطيني

22/10/2011
جمال عبد الفتّاح - القاهرة
أخيرا وبعد سنوات من المفاوضات والتوقف تمت صفقه تبادل الااسرى بين حماس واسرائيل برعاية المجلس العسكرى . المشاركون الثلاثة كل يسعى بطريقته لتحقيق ما يراه لصالحه من ورائها والقراءة الفاحصة لما تم تقول بأن الشعب الفلسطينىي وقضية الاسرى هما الخاسر الأكبر فى هذه الصفقة، ومن بعده الشعب المصري ،كيف؟؟

الصفقه لم تحقق الحد الادنى الذى توصلت اليه مفاوضات سابقه رفضتها حماس فى حينها، كانت تطرح الافراج عن أكثر من 1500 أسير فلسطينى وعربى شرط عوده الجميع الى موطنهم قبل الاسر دون ابعاد مؤقت أو دائم ،داخل او خارج الارض الفلسطينيه. وضمنها يتم الافراج عن كل النساء الاسيرات وعن أقدم الاسرى بالسجون الاسرائيليه وعن الاعلى محكوميه ، وعن عدد من القيادات الفلسطينيه الاسيره وفى مقدمتهم أحمد سعادات أمين عام الجبهه الشعبيه لتحرير فلسطين ومروان البرغوثى أبرز قيادات فتح بعد عرفات.

أما النتائج الآتيه جاءت بغير ذلك، إذ سيتم الافراج عن 1227 أسير فقط على دفعتين ، ويتم ابعاد 46 من الدفعه الاولى الى خارج فلسطين حيث الشتات وابعاد 136 أسير من أهل الضفه الغربيه والقدس الى غزه. زلن يتم الافراج عن سعادات او مروان البرغوثى.والأخطر من كل هذا التوقيت الذى تمت فيه الصفقه لكسر الاضراب العام عن الطعام للاسرى الفلسطينيين فى كل السجون الاسرائيليه والمعدّ له منذ اسابيع طويله مع القوى الفلسطينيه ليضعف نضال الحركه الاسيره والشعب الفلسطينى فى هذه اللحظه، ويقدم هديه مجانيه للعدو الصهيونى على حساب اكثر من عشره آلاف أسير وحريتهم وحياتهم القاسيه داخل السجون وقد غطت الافراح الواسعه التى اقامتها حماس على شرف المفرج عنهم على أخبار أضراب الاسرى الفلسطينيين وحقوقهم وأهداف الاضراب وما يتعرضون له من تعذيب وحبس أنفرادى وأجرام أسرائيلى لا يتوقف ، ومن تراجع الدعم السياسى المحلى والعالمى لهذا الاضراب بفعل توقيت هذه الصفقه المشينه.

أن هذا يذكرنا بموافقه عرفات على المشاركه فى مؤتمر مدريد ضمن الوفد الاردنى وابرامه لاتفاق (غزه –أريحا) أولا مقابل أعتراف منظمه التحرير بحق أسرائيل فى الوجود على أرض فلسطين كتصريح لدخوله ورجاله من أمثال ابو مازن الى غزه لكسر انتفاضه الشعب الفلسطينى العظيم عام 78 بعد أن دوخت جيش الاحتلال الصهيونى لأربع سنوات ، وبهرت العالم ببطولات الشعب الفلسطينى وعداله قضيته.وبتضحيات الانتفاضه الاولى ودم شهدائها وقع عرفات أتفاقيه اوسلو عام 93 والنتيجه كما تراها الآن تمزيق الضفه الغربيه وتهويد 40% من أرضها وتهويد القدس بالكامل وحصار غزه والعدوان الهمجى عليه نهايه عام 2008 بحمايه السلطه والدرك فى رام الله وتقديمها لمزيد من التنازلات عبر مفاوضات لا تتوقف جريا وراء سراب الدويلة الفلسطينيه المستحيلة.

ما أشبه الليلة بالبارحة، حماس وقيادتها تقوم بكسر أضراب الاسرى داخل السجون الاسرائيليه كما فعلت فتح عرفات وابومازن فى الانتفاضه الاولى لتنصب من نفسها قياده جديده للتفاوض مع العدو الاسرائيلى بعد ان استهلكت القياده القديمة، فالعمر الافتراضى لابو مازن رجل اسرائيل الاول فى السلطة الفلسطينية المزعومة قد انتهى ولم يعد مفيدا لأولياء نعمته فى"تل أبيب" بل اصبح عبئا عليهم..والّا لماذا رضخت حماس لضغوط المجلس العسكرى وجماعة الاخوان المصرية لتقديم كل هذه التنازلات التى رفضتها فى السابق ، والقيام بهذا الدور المشبوه فى فض الاضراب؟ رغم أن الظروف المحيطه بالقضيه الفلسطينيه أقوى فى اللحظة الراهنة من أي فتره سابقة وتعطي امكانية اكبر لصفقة تكون فى صالح الاسرى الفلسطينيين ونضال الشعب الفلسطيني.

فالثوره المصريه اطاحت بمبارك وزلزلت اركان حكمه، وذلك الكنز الاستراتيجى لاسرائيل وامريكا فى المنطقة،وفرضت مع الثورات العربية بدايه معادله جديده، الاساس فيها حركه الشعوب العربيه وتأثيرها فى مصير ومستقبل المنطقه لا الانظمة العربية العميلة. فأصبحت اسرائيل تعيش لاول مره فى تاريخها فى حاله خوف عميقه على وجودها ومستقبلها، كما تتعرض المصالح الاستعماريه الامريكيه لمخاطر حيويه فى منابع البترول فى الخليج والممرات المائيه، قناه السويس ومضيق باب المندب وممر هرمز ، كما يتعرض الوجود العسكرى الامريكى المباشر فى العراق ودول الخليج ومصر وغيرها لسؤال ملحّ عن مصيرها وتوقيت رحيلها، والجواب من الآن وصاعدا لدى الشعوب العربية.

أن تقدم الثورة المصرية والثورات العربية سيحرر المنطقة بالكامل من النفوذ الاستعماري الامريكي والصهيوني ويفتح صفحة جديدة من تاريخ الانسانية دون استعمار او عنصرية.

ولذلك تستميت امريكا وحلفائها اسرائيل والسعودية والانظمة الرجعية العربية من أجل قطع الطريق أمام هذه الثورات ومحاصرتها بمساعده قوى الثورة المضادة المحلية لهزيمتها وقبرها.

وفى ظل هذا الصراع المحتدم بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة تأتى صفقة الاسرى المشبوهة فى مضمونها وتوقيتها وسرعة انجازها وأهدافها دون الاخذ فى الاعتبار عناصر القوة المستجدة على ساحة الشعوب والثورات العربية.

ومن الواضح للعيان أن هذه الصفقة جاءت متعجلة لتبييض وجه المجلس العسكري القمعي الكالح واعطائه دور فيما يسمى بالسياسة الخارجية بعد هزيمته فى كل معاركه الداخلية امام قوى الثورة حتى الآن برغم القتل والمذابح والاعتقالات الواسعة وجاءت مكافأة له على انحيازه الكامل مع قوى الثورة المضادة المحلية والخارجيهأمريكا واسرائيل وتقديمه لفرض الولاء والطاعة بالتزامه بكل الاتفاقيات الدولية وفى مقدمتها اتفاقيه العار " كامب ديفيد" ودفعه لمحاصره ثوره الفقراء المصريين الثورة الاجتماعيه بجره لجميع القوى الرجعيه الرأسماليه لمسرحيه مجلس الشعب الهزليه الى حد أعطاء الشرعيه للمؤسسه العسكريه وتكريس دورها فى الحياه السياسيه المصريه بشكل دائم وعلى حساب الثوره واهدافها.

ومن جهه ثانيه جاءت الصفقه لتصنع حاله من التهدئه داخل المجتمع الاسرائيلى الذى اصابه الهلع بعد الثوره المصريه .خاصه بعد معاركها الاخيره فى 9/9 امام السفاره الاسرائيليه وأجبارها للبعثه الدبلوماسيه بكاملها على مغادره بلادنا واغلاق السفاره . وجاءت الصفقه لتكون مبررا لدى المجلس العسكرى لمقايضه دم شهدائنا العسكريين السته مقابل اعتار تافه من وزير الحرب الاسرائيلى باراك.

ومن جهه ثالثة جاءت الصفقة محاوله لدعم شعبية حماس التى تراجعت كثيرا لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربيه خاصه بعد الثورات العربية بسبب مواقفها المتراجعة عن خط المقاومة والتى تسير فيها على خط فتح الاستسلامي وعلى طريق المصالحة مع ابو مازن والتهدئة مع العدو الصهيوني ولعل حماس بتلك الصفقة تستطيع مواجهه المأزق الذى تتعرض له قيادتها فى سوريا نتيجة للزلزال الشعبي الذى يضرب النظام السوري منذ سبعة شهور ،ولا يعرف مداه ختى الآن ، ولا تعرف معه قياده حماس كيف تتصرف وهى مازالت تقف فى خندق الانظمه العربيه الرجعيه والتابعه، وأن كانت فى نفس الوقت ترفع يدها للثوره المصريه والثورات العربيه دون ان يكلفها ذلك موقفا عمليا وهى تضع كلرهاناتها على المجلس العسكرى قائد قوى للثورة المضادة وحليفه الاخوان المسلمين ، فحماس تاريخيا خرجت من رحم الاخوان فكريا وسياسيا وتنظيميا!!

ومن المحزن حقا أن هذه الصفقه تضع النضال الفلسطينى في مأزق جديد.

أن خوف المجلس العسكرى والاخوان وحماس من الثوره المصريه واندفاعها ضد العدو الصهيونى عجّل بالصفقه تحسبا للمستقبل.فلقد كان بامكان المجلس العسكرى اعتمادا على زخم الثوره ان يضغط على اسرائيل لمحاكمه قتله الجنود المصريين وليس مجرد أعتذار تافه,والقيام بالغاء اتفاقيه الغاز وغيرها من اتفاقيات التطبيع فى ظل ضعف وخوف اسرائيل من الثوره المصريه مما كان سيهيئ شروطا أفضل لعقد صفقه الاسرى الفلسطينيين وينهى الحصار على غزه مما يعطى زخما للمقاومه وصمود الشعب الفلسطينى لبدايه مرحلة جديده من ثورته التحررية..

لكن المحزن حقا أن الصفقة كما تمت بتوقيتها ونتائجها تضع النضال الفلسطيني فى مأزق جديد ، فبدلا من أن تنفتح قوى المقاومة الفلسطينية على الثورة المصرية والثورات العربية وقوى التحرر العالمية لبناء جبهة عالمية تقوم على فك الحصار بشكل شعبي من البحر وفك الحصار المضروب على الضفه والقدس من قبل المستوطنات والمستوطنين وهدم الجدار العازل وفرض الحصار على الكيان الصهيوني من قبل شعوب العالم كما حدث مع جنوب افريقيا.

أن معركة فرض الحصار على إسرائيل تحتاج الى جبهة واسعه تقودها قوى الثورة الفلسطينية والمصرية والعربية وتستخدم فيه استراتيجية طويله النفس يجمّع ضمنها كل اشكال الكفاح والمقاطعة لكل ما هو اسرائيلي عربيا وعالميا